ـ ٤ ـ
لا أحسب أنّ هناك خدمة للاُمّة أو عائدة عليها بخير تضارع نشر فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، وإذاعة سيرتهم ومآثرهم ؛ فإنّها تفيض بالخير والهدى على الناس جميعاً ففيها الدروس الحيّة ، والعظات البالغة التي تبعث على الاستقامة والتوازن في السلوك ، وهي من أثمن ما يملكه المسلمون من طاقات نديّة حافلة بالقِيَم الكريمة والمثُل العليا ، التي هي السِّر في أصالة هذا الدين وخلوده.
وحياة الإمام الحسين (عليه السّلام) من أروع حياة الأئمة الطاهرين ؛ فقد تخطّت حدود الزمان والمكان ، وتمثّلت فيها العبقرية الإنسانية التي تثير في نفس كل إنسان أسمى صور الإكبار والتقدير. فقد تجسّد في سيرته ومقتله أروع موضوع في تاريخ الإسلام كلّه ؛ فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم من القِيَم الإنسانية مثل ما ظهر من الإمام على صعيد كربلاء.
فقد ظهر منه من الصمود والإيمان بالله ، والرضى بقضائه والتسليم لأمره ما لم يشاهده الناس في جميع مراحل تاريخهم ، وكان هذا الإيمان الذي لا حدّ له هو الطابع الخاص الذي امتاز به أهل بيته وأصحابه على بقيّة الشهداء ؛ فقد أخلصوا في دفاعهم لله ، وأخلصوا في نضالهم للحق ، ولم يكونوا مدفوعين بأيّ دافع مادّي.
فالعباس (عليه السّلام) الذي كان من أقرب الناس للإمام الحسين وألصقهم به لم يندفع بتضحيته الفذّة بدافع الأخوّة والرَحم ، وإنّما أقدم على ذلك بدافع الإيمان ، والذبّ عن الإسلام ، وقد أعلن (سلام الله عليه) ذلك فيما أثر عنه من رجز ، ظلّ يهتف به وينشده شعاراً له في تلك المعركة الرهيبة ، بعد أن يرى القوم يمينه قائلاً :