مخططاتها الرامية لصرف الخلافة عن أهل البيت (عليهم السّلام) فرأى أنّ خير وسيلة يتدارك بها الموقف أن يبعث بجميع أصحابه لغزو الروم ؛ حتّى تخلو عاصمته منهم ، ليتمّ الأمر إلى ولي عهده الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بسهولة ويسر ، فأمر أعلام المهاجرين والأنصار بذلك ، وكان منهم ـ فيما يقول المؤرّخون ـ أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة الجراح ، وبشير بن سعد (١) ، وأمّر عليهم اُسامة بن زيد وهو شاب حدث السّن ، وكانت هذه البعثة سنة إحدى عشرة للهجرة لأربع ليال بقين من صفر.
وقال (صلّى الله عليه وآله) لاُسامة : «سر إلى موضع قتل أبيك فاوطئهم الخيل فقد وليّتك هذا الجيش ؛ فاغز صباحاً على أهل اُبْنى (٢) وحرّق عليهم ، وأسرع السير لتسبق الأخبار ، فإن أظفرك الله عليهم فأقلل اللبث فيهم ، وخذ معك الأدلاّء ، وقدّم العيون والطلائع معك».
وفي اليوم التاسع والعشرين من صفر رأى جيشه قد مُني بالتمرّد فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسكرية فساءه ذلك ، وخرج مع ما به من المرض الشديد فحثّهم على المسير ، وعقد بنفسه اللواء لاُسامة وقال له : «اغزُ بسم الله ، وفي سبيل الله ، وقاتل مَن كفر بالله». فخرج اُسامة بلوائه معقوداً ودفعه إلى بريدة ، وعسكر بـ (الجرف).
وتثاقل فريق من الصحابة من الالتحاق بالمعسكر ، وأظهر الطعن والاستخفاف بالقائد العام للجيش ، يقول له عمر :
__________________
(١) كنز العمال ٥ / ٣١٢ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٤٦ ، تاريخ الخميس ٢ / ٤٦.
(٢) اُبْنى ، بضم الهمزة وسكون الباء ثمّ نون مفتوحة بعدها ألف مقصورة : ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة ، تقع بالقرب من مؤتة التي استشهد فيها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب.