مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنت عليّ أمير؟!
وانتهت كلماته إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد ازدادت به الحمّى وأخذ منه الصداع القاسي مبلغاً عظيماً ، فغضب (صلّى الله عليه وآله) وخرج وهو معصب الرأس قد دثّر بقطيفته ، وقد برح به الأسى والحزن ، فصعد المنبر وأظهر سخطه على عدم تنفيذ أوامره قائلاً : «أيها الناس ، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اُسامة! ولئن طعنتم في تأميري اُسامة ، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله. وايم الله ، إنه كان لخليقاً بالإمارة ، وإنّ ابنه من بعده لخليق بها».
ثمّ نزل عن المنبر ودخل بيته (١) وجعل يوصي أصحابه بالالتحاق باُسامة وهو يقول لهم : «جهّزوا جيش اُسامة». «نفذوا جيش اُسامة». «لعن الله مَن تخلّف عن جيش اُسامة».
ومن المؤسف أنّه لم تثِر هذه الأوامر المشددة حفائظ نفوسهم ، ولم يرهف عزائمهم هذا الاهتمام البالغ من النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجيش واعتذروا للرسول (صلّى الله عليه وآله) بشتّى المعاذير ، وهو لم يمنحهم العذر وإنّما أظهر لهم السخط وعدم الرضى ، وقد حلّلنا أبعاد هذه الحادثة المؤلمة ودلّلنا على مقاصد القوم في الجزء الأوّل من كتابنا حياة الإمام الحسن بن علي (عليه السّلام).
__________________
(١) السيرة الحلبية ٣ / ٣٤.