يا أحمد ، إنّ الله قد اشتاق إليك (١).
واختار النبي (صلّى الله عليه وآله) جوار ربّه ، فأذن لملك الموت بقبض روحه العظيمة ، ولمّا علم أهل البيت (عليهم السّلام) أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) سيفارقهم في هذه اللحظات خفّوا إلى توديعه ، وجاء السبطان فألقيا بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع ، والنبي (صلّى الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً ، فأراد أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن ينحّيهما عنه ، فأبى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال له : «دعهما يتمتّعان منّي وأتمتّع منهما ، فستصيبهما بعدي إثرة».
ثمّ التفت إلى عوّاده فقال لهم : «قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي ، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي ، إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (٢).
وقال لوصيّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) : «ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت نفسي فتناولها وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّى أمري ، وصلِّ عليّ أوّل الناس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي ، واستعن بالله عزّ وجلّ».
وأخذ أمير المؤمنين (عليه السّلام) رأس النبي (صلّى الله عليه وآله) فوضعه في حجره ، ومدّ يده اليمنى تحت حنكه ، وقد شرع ملك الموت بقبض روحه الطاهرة ، والرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني آلام الموت وشدّة الفزع حتّى فاضت روحه الزكية ، فمسح بها الإمام (عليه السّلام) وجهه (٣).
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٢ / ٤٨.
(٢) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للخوارزمي ١ / ١١٤.
(٣) المناقب ١ / ٢٩ ، وتضافرت الأخبار : بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) توفّي ورأسه في حجر علي. انظر كنز العمال ٤ / ٥٥ ، طبقات ابن سعد وغيرهما.