وسائر أفراد أسرته بذلك ، فقد باتوا ليلة وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) وهم يتوسّدون الأرق ، قد أحاطت بهم الهواجس والآلام. وقد حكى مدى ذعرهم الإمام الصادق (عليه السّلام) بقوله : «لمّا مات النبي (صلّى الله عليه وآله) بات أهل بيته كأن لا سماء تظلّهم ، ولا أرض تقلّهم ؛ لأنّه َوتَر الأقرب والأبعد» (١).
وقد عانى الإمام الحسين (عليه السّلام) وهو في سنّه المبكّر هذه المحنة الكبرى وعرف أبعادها ، وما تنطوي عليه من الرزايا التي ستعانيها اُسرته ، كما أنه قد فقد بموت جدّه العطف الذي كان يغدقه عليه ، وقد أضناه ما حلّ بأبويه من فادح الأسى والحزن بموت الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ترك ذلك أسى في نفسه استوعب مشاعره وعواطفه.
لقد مضى الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى جنة المأوى ، وكان عمر الإمام الحسين (عليه السّلام) ـ فيما يقول المؤرّخون ـ ست سنين وسبعة أشهر (٢) وقد تكاملت في ذلك الدور جميع مظاهر شخصيته ، وعرف واقع الأحداث التي جرت ، وما دبّره القوم من المخططات الرهيبة لصرف الخلافة عن أهل البيت (عليهم السّلام) ، فقد تركوا جنازة نبيّهم غير حافلين بها وذهبوا يختصمون على الحكم ويتنازعون على السلطان ، وقد عرّفته تلك الأحداث طبيعة المجتمع وسائر غرائزه واتجاهاته ، فأعلن (عليه السّلام) رأيه فيه بقوله : «الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه حيث ما دارت معائشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون».
وهذه الظاهرة الذاتية سائدة في جميع أنحاء المجتمع لا تتخلف في جميع أدوار التاريخ.
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٦ / باب وفاة النبي.
(٢) منهاج السنّة ٣ / ١١ ، وجاء فيه : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) مات ولم يكمل الحسين (عليه السّلام) سبع سنين.