نور الإسلام من التناحر والانحطاط ، ووهن العقول وضحالة التفكير خصوصاً الجزيرة العربية ؛ فقد مُنيت بالذل والهوان ، فكانت على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، وقد بلغت من الانحطاط في حياتها الاقتصادية إلى حدّ كانت الأكثرية الساحقة ؛ تقتاد القد ، وتشرب الطرق ، وظلت على هذا الحال المرير ترسف في قيود الفقر ، إلى أن أنقذها الله بنبيّه ورسوله (صلّى الله عليه وآله) فدفعها إلى واحات الحضارة ، وجعلها سادة الاُمم والشعوب ، فما أعظم فضله على العرب وعلى الناس جميعاً ... وعرضت سيّدة النساء (عليها السّلام) إلى فضل ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وجهاده المشرق في نصرة الإسلام ، والذبّ عن حياضه ، في حين أنّ المهاجرين من قريش كانوا في رفاهية من العيش وادعين آمنين لم يكن لهم أي ضلع في نصرة القضية الإسلامية ، وإنما كانوا ـ على حدّ تعبيرها ـ ينكصون عند النزال ، ويفرّون من القتال ، كما كانوا يتربّصون بأهل البيت الدوائر ، ويتوقّعون بهم نزول الأحداث.
وأعربت (عليها السّلام) في خطابها عن أسفها البالغ على ما مُني به المسلمون من الزيغ والانحراف ، والاستجابة لدواع الهوى والغرور ، وتنبّأت عمّا سيواجهونه من الأحداث الخطيرة والكوارث المؤلمة نتيجة لِما ارتكبوه من الأخطاء والانحراف عمّا أراده الله منهم من التمسّك بالعترة ، وبعدما أدلت بهذه النقاط المشرقة عرضت إلى حرمانها من إرث أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالت : «وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي من أبي! أفحكم الجاهليّة تبغون ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون. أفلا تعلمون ـ بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية ـ أنّي ابنته؟ ويهاً أيها المسلمون! أاُغلب على تراث أبي؟ يابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟