فثار عثمان واندفع يناصر كعباً ، فصاح بأبي ذر : ما أكثر أذاك وولعك بأصحابي؟ الحق بمكتبك في الشام.
وأمر به فسيّر إلى الشام ، فلمّا انتهى إليها رأى منكرات معاوية وبدعه ، رآه قد أطلق يديه في بيت المال الذي جمع من جهود الشعب ، فجعل ينكر عليه ويذيع بين المسلمين مساوئ عثمان ، وقد أنكر على معاوية حينما قال : المال مال الله. فقال له : المال مال المسلمين. كما أنكر عليه بناءه الخضراء ، فكان يقول له : يا معاوية ، إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف.
وأخذ يدعو المسلمين إلى اليقظة والحذر من السياسة الاُموية ، وكان يقول لأهل الشام : والله ، لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ، ولا في سنّة نبيّه ، والله إنّي لأرى حقّاً يطفأ ، وباطلاً يحيا ، وصادقاً يُكذب ، وإثرةً بغير تقىً ، وصالحاً مستأثر عليه (١).
وكان الناس يؤمنون بحديثه ويصدقون مقالته ، وأخذ يبثّ الوعي الاجتماعي ويدعو إلى إنصاف المحرومين ، ويحرّض الفقراء على استرجاع حقوقهم من الفئة الحاكمة ، وخاف الطاغية معاوية أن تندلع نار الثورة عليه ؛ فنهى الناس عن الاجتماع به ، وخاطبه : يا عدو الله ، تؤلب الناس علينا وتصنع ما تصنع! فلو كنت قاتلاً رجلاً من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لقتلتك. فردّ عليه البطل العظيم غير حافل بسلطانه قائلاً :
__________________
(١) الأنساب ٥ / ٥٢.