وهذه البوادر تدلّ على فساد آرائه ، وعدم التعويل على أيّ حديث من أحاديثه.
واستدلّ عكرمة ومقاتل بسياق الآية على أنّها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ولا تشمل أهل بيته ، وقد عرض الإمام شرف الدين بصورة موضوعية إلى إبطال ذلك. قال رحمه الله : ولنا في ردّه وجوه :
الأوّل : إنّه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة ، والأحاديث المتواترة الصحيحة.
الثاني : إنّها لو كانت خاصّة في النساء كما يزعم هؤلاء لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث ، ولَقال عزّ مَن قائل : عنكنّ ، ويطهّركنّ ، كما في غيرهما في آياتهن ؛ فتذكير ضمير الخطاب فيها دون غيرها من آيات النساء كافٍ في ردّ تضليلهم.
الثالث : إنّ الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض ، وهو تخلّل الجملة الأجنبية بين الكلام المتناسق ، كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ). فقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) مستطرد بين خطابيه معها كما ترى. ومثله قوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). فقوله : (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس. ونحوه قوله عزّ مَن قائل : (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ