وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المجتبى من خلائقه (١) ، والمعتام لشرح حقائقه والمختصّ بعقائل كراماته ، والمصطفى لكرائم رسالاته ، والموضّحة به أشراط الهدى (٢) والمجلوّ به غربيب العمى.
أيّها النّاس ، إنّ الدّنيا تغرّ المؤمّل لها ، والمخلد إليها (٣) ، ولا تنفس بمن نافس فيها ، وتغلب من غلب عليها. وايم اللّه ما كان قوم قطّ فى غضّ نعمة من عيش فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها (٤) ، لأنّ اللّه ليس بظلاّم للعبيد.
ولو أنّ النّاس ـ حين تنزل بهم النّقم وتزول عنهم النّعم ـ فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم ووله من قلوبهم ، لردّ عليهم كلّ شارد ، وأصلح لهم كلّ فاسد. وإنّى لأخشى عليكم أن تكونوا فى فترة (٥) وقد كانت أمور مضت
__________________
(١) المجتبى : المصطفى ، والعيمة ـ بكسر العين ـ : المختار من المال ، واعتام : أخذها ، فالمعتام : المختار لبيان حقائق توحيده وتنزيهه ، والعقائل : الكرائم ، والكرامات : ما أكرم اللّه به نبيه من معجزات ومنازل فى النفوس عاليات
(٢) أشراط الهدى : علاماته ودلائله ، وغربيب الشىء ـ كعفريت ـ : أشده سوادا. فغربيب العمى : أشد الضلال ظلمة.
(٣) المخلد : الراكن المائل ، وفى التنزيل : «وَلٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اَلْأَرْضِ» ونفس ـ كفرح ـ : ضن ، أى : لا تضن الدنيا بمن يبارى غيره فى اقتنائها وعدها من نفائسه ، ولا تحرص عليه ، بل تهلكه
(٤) الغض : الناضر الطرى. واجترح الذنب : اكتسبه وارتكبه
(٥) كنى بالفترة عن جهالة الغرور ، أو أراد فى فترة من عذاب ينتظر بكم عقابا على انحطاط هممكم وتباطؤكم عن جهاد عدوكم