وأنا لكم قال (١) وبكم غير كثير. للّه أنتم!! أما دين يجمعكم ، ولا حميّة تشحذكم (٢)؟ أوليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطّغام فيتّبعونه (٣) على غير معونة ولا عطاء ، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام (٤) ، وبقيّة النّاس إلى المعونة وطائفة من العطاء فتتفرّقون عنّى ، وتختلفون علىّ؟! إنّه لا يخرج إليكم من أمرى رضا فترضونه (٥) ولا سخط فتجتمعون عليه ، وإن أحبّ ما أنا لاق إلىّ الموت. قد دارستكم الكتاب (٦) وفاتحتكم الحجاج ، وعرّفتكم ما أنكرتم ، وسوّغتكم ما مججتم ، لو كان الأعمى يلحظ (٧) أو النّائم يستيقظ!! وأقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية ومؤدّبهم ابن النّابغة (٨)
__________________
(١) قال : أى كاره ، وغير كثير بكم : أى إنى أفارق الدنيا وأنا فى قلة من الأعوان وإن كنتم حولى كثيرين. ويدل عليه قوله فيما بعد : للّه أنتم
(٢) من شحذ السكين كمنع : أى حددها
(٣) الجفاة : جمع جاف أى غليظ ، والطغام بالفتح : أرذال الناس ، والمعونة : ما يعطى للجند لاصلاح السلاح وعلف الدواب زائدا على العطاء المفروض والأرزاق المعينة لكل منهم
(٤) التريكة كسفينة : بيضة النعامة بعد أن يخرج منها الفرخ تتركها فى مجثمها ، والمراد أنتم خلف الاسلام وعوض السلف.
(٥) يريد أنه لا يوافقكم منى شىء لا ما يرضى ولا ما يسخط!!
(٦) أى : قرأت عليكم القرآن تعليما وتفهيما ، وفاتحتكم : مجرده «فتح» بمعنى قضى ، فهو بمعنى فاضيتكم ، أى : حاكمتكم ، والحجاج : المحاجة ، أى : قاضيتكم عند الحجة حتى قضت عليكم بالعجز عن الخصام. وعرفتكم الحق الذى كنتم تجهلونه ، وسوغت لأذواقكم من مشرب الصدق ما كنتم تمجونه وتطرحونه
(٧) «لو» للتمنى ، كأنه يقول : ليت الأعمى الخ
(٨) «أقرب بهم» أى : ما أقربهم من الجهل ، وابن النابغة :