بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم ، وقد أوذنتم منها بالارتحال ، وأمرتم فيها بالزّاد ، واعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار ، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها فى مصائب الدّنيا. أفرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه والعثرة تدميه ، والرّمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر ، وقرين شيطان (١)؟! أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه (٢) ، وإذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته؟؟!! أيّها اليفن الكبير (٣) الّذى قد لهزه القتير! كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق ، ونشبت الجوامع (٤) حتّى أكلت لحوم السّواعد؟!
__________________
(١) الرمضاء : الأرض للشديدة الحرارة. والرمض ـ بفتح الراء والميم ـ شدة وقع الشمس على الرمل وغيره. وقد رمض يومنا يرمض رمضا ـ مثل طرب يطرب طربا ـ أى : اشتد حره. ورمضت قدمه : احترقت بالرمضاء. والطابق ـ بفتح الياء ـ الآجرة الكبيرة ، وهو فارس معرب. وقوله «ضجيع حجر» يشير به إلى قوله تعالى «وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَاَلْحِجٰارَةُ» وقوله «وقرين شيطان» يشير به إلى قوله تعالى : «قٰالَ قَرِينُهُ رَبَّنٰا مٰا أَطْغَيْتُهُ»
(٢) مالك : هو الموكل بالجحيم ، و «حطم بعضها بعضا» معناه كسره أو أكله والحطمة : من أسماء النار لأنها تحطم ما تلاقيه ، ومنه سمى الرجل الكثير الأكل حطمة
(٣) اليفن ـ بالتحريك ـ : الشيخ المسن ، و «لهزه» أى : خالطه ، والقتير : الشيب ، ويقال : ملهوز ، ثم أشمط ، ثم أشيب
(٤) نشبت ـ كفرحت ـ علقت ، والجوامع : جمع جامعة ، وهى الغل والكيل ، لأنها تجمع اليدين إلى العنق