تزجر عنه أو تدعو إليه ، فرضاه فيما بقى واحد ، وسخطه فيما بقى واحد.
واعلموا أنّه لن يرضى عنكم بشىء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشىء رضيه ممّن كان قبلكم ، وإنّما تسيرون فى أثر بيّن ، وتتكلّمون برجع قول قد قاله الرّجال من قبلكم ، قد كفاكم مؤونة دنياكم ، وحثّكم على الشّكر ، وافترض من ألسنتكم الذّكر ، وأوصاكم بالتّقوى وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه ، فاتّقوا اللّه الّذى أنتم بعينه (١) ، ونواصيكم بيده ، وتقلّبكم فى قبضته : إن أسررتم علمه ، وإن أعلنتم كتبه ، قد وكّل بكم حفظة كراما ، لا يسقطون حقّا ، ولا يثبتون باطلا ، واعلموا أنّ من يتّق اللّه يجعل له مخرجا من الفتن ، ونورا من الظّلم ، ويخلده فيما اشتهت نفسه ، وينزله منزلة الكرامة عنده ، فى دار اصطنعها لنفسه : ظلّها عرشه ، ونورها بهجته ، وزوّارها ملائكته ، ورفقاؤها رسله. فبادروا المعاد ، وسابقوا الآجال ، فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل ، ويرهقهم الأجل (٢) ، ويسدّ عنهم باب التّوبة ، فقد أصبحتم فى مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم (٣) ، وأنتم
__________________
(١) يقال «فلان بعين فلان» إذا كان بحيث لا يخفى عليه منه شىء
(٢) أى : يغشاهم بالمنية
(٣) أى : إنكم فى حالة يمكنكم فيها العمل لآخرتكم ، وهى الحالة التى ندم المهملون على فواتها وسألوا الرجعة إليها ، كما حكى اللّه عنهم إذ يقول الواحد منهم : «رَبِّ اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ»