غائبهم؟ أنا كابّ الدّنيا لوجهها ، وقادرها بقدرها ، وناظرها بعينها.
منها : ويومئ بذلك إلى وصف التتار :
كأنّى أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة (١) ، يلبسون السّرق والدّيباج (٢) ويعتقبون الخيل العتاق (٣) ويكون هناك استحرار قتل حتّى (٤) يمشى المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقلّ من المأسور.
__________________
كانوا عبيدا لدهاقين البصرة ، ولم يكونوا ذوى زوجات وأولاد ، بل كانوا على هيئة الشطار عزابا فلا نادبة لهم. وقوله «ولا يفتقد غائبهم» يريد أنهم كثير فكلما قتل منهم قتيل سد غيره مسده ، فلا يظهر أثر فقده. وقوله «أنا كاب الدنيا لوجهها» قد روى مثل ذلك عن عيسى ابن مريم عليه السّلام قال «أنا الذى كببت الدنيا على وجهها ، ليس لى زوجة تموت ، ولا بيت يخرب ، وسادى الحجر ، وفراشى المدر ، وسراجى القمر» والعبارة كناية عن الزهادة فى الدنيا والصدف عنها
(١) المجان : جمع مجن ـ بكسر الميم ـ وهو الترس ، وإنما سمى مجنا لأنه يستتر به ، والجنة ـ بالضم ـ السترة ، وجمعها جنن بوزان غرفة وغرف ـ والمطرقة ـ بسكون الطاء وفتح الراء ـ التى أطرق بعضها إلى بعض أى : صمت طبقاتها فجعل بعضها يتلو بعضا ، ويقال : جاءت الابل مطاريق ، أى : يتلو بعضها بعضا. وقال الشيخ الامام رضى اللّه عنه : فى القاموس «أى : التى يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة ـ أى : المخصوفة ـ وهو عجز عن التعبير ، والأحسن أن يقال : أى التى أزلق بها الطراق ـ ككتاب ـ وهو جلد يقور على مقدار الترس ثم يلزق به.
(٢) السرق ـ بالتحريك ـ : شقق الحرير الأبيض ، أو هو الحرير عامة. واحدتها سرقة
(٣) يعتقبون : يحتبسون كرائم الخيل يمنعونها غيرهم ، وقال ابن أبى الحديد : «يعتقبون الخيل ، أى : يجنبونها لينتقلوا من غيرها إليها» اه
(٤) استحرار القتل : اشتداده. وتقول : حر القتل ، واستحر ، وهما بمعنى واحد ، قال ابن الزبعرى : ـ حيث ألقت بقباء بركها واستحر القتل فى عبد الأشل