متدانياتها (١). لا يشمل بحدّ ولا يحسب بعدّ ، وإنّما تحدّ الأدوات أنفسها ، وتشير [الآلات] إلى نظائرها ، منعتها منذ القدميّة ، وحمتها قد الأزليّة ، وجنّبتها لو لا (٢) التّكملة ، بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون ، لا يجرى عليه السّكون والحركة وكيف يجرى عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟! إذا لتفاوتت ذاته (٣) ولتجزّأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذ وجد له أمام! ولالتمس التّمام إذ لزمه النّقصان! وإذا
__________________
(١) كالجزئين من عنصر واحد فى جسمين مختلفى المزاج
(٢) «منذ ، وقد ، ولو لا» : فواعل للأفعال قبلها ، ومنذ : لابتداء الزمان ، وقد لتقريبه ، ولا يكون الابتداء والتقريب إلا فى الزمان المتناهى ، وكل مخلوق يقال فيه : قد وجد ، ووجد منذ كذا ، وهذا مانع للقدم والأزلية ، وكل مخلوق يقال فيه : لو لا خالقه لما وجد ، فهو ناقص لذاته محتاج للتكملة بغيره ، و «الأدوات» أى : آلات الادراك التى هى حادثة ناقصة ، فكيف يمكن لها أن تحد الأزلى المتعالى عن النهاية فى الكمال. وقوله «بها» أى : بتلك الأدوات ، أى : بواسطة ما أدركته من شؤون الحوادث عرف الصانع فتجلى للعقول ، وبها ـ أى : بمقتضى طبيعة تلك الأدوات : من أنها لا تدرك إلا ماديا محدودا ـ امتنع سبحانه عن إدراك العيون ، التى هى نوع من تلك الأدوات
(٣) أى : لاختلفت ذاته باختلاف الأعراض عليها ، ولتجزأت حقيقته ، فان الحركة والسكون من خواص الجسم ، وهو منقسم ، ولصار حادثا ، فان الجسم بتركبه مفتقر لغيره.