مقتضون ، أجل منقوص ، وعمل محفوظ ، فربّ دائب مضيّع (١) وربّ كادح خاسر. وقد أصبحتم فى زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا ، والشّرّ فيه إلاّ إقبالا ، والشّيطان فى هلاك النّاس إلاّ طمعا. فهذا أوان قويت عدّته (٢) وعمّت مكيدته ، وأمكنت فريسته (٣). اضرب بطرفك حيث شئت من النّاس : هل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا ، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا ، أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا ، (٤) أو متمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا؟ أين خياركم وصلحاؤكم؟ وأحراركم وسمحاؤكم؟ وأين المتورّعون فى مكاسبهم؟ والمتنزّهون فى مذاهبهم؟ أليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدّنيا الدّنيّة والعاجلة المنغّصة؟ وهل خلقتم إلاّ فى حثالة (٥) لا تلتقى بذمّهم الشّفتان
__________________
(١) الدائب : المداوم فى العمل ، والكادح : الساعى لنفسه بجهد ومشقة ، والمراد من يقصر سعيه على جمع حطام الدنيا
(٢) الضمير للشيطان
(٣) «أمكنت الفريسة» أى : سهلت وتيسرت
(٤) «اضرب بطرفك» أى : انظر فى عامة ما يحيط بك من النواحى ، ومثله قول الشاعر : ـ اضرب بطرفك حيث شئ ت فلن ترى إلاّ بخيلا والوفر ـ بفتح فسكون ـ المال الكثير. والوقر ـ بالقاف المثناة ـ ثقل الأذن ، وقلة سمعها ، قال الشاعر : ـ أحب الفتى ينفى الفواحش سمعه كأن به عن كل فاحشة وقرا
(٥) الحثالة ـ بالضم ـ الردىء من كل شىء ، والمراد أقزام الناس ، وصغار النفوس