قد تحيّرت مذاهبها ، وأعجزت مهاربها (١). وخابت مطالبها ، فأسلمتهم المعاقل ، ولفظتهم المنازل ، وأعيتهم المحاول (٢) فمن ناج معقور (٣) ، ولحم مجزور ، وشلو مذبوح ، ودم مسفوح ، وعاضّ على يديه ، وصافق بكفّيه ، ومرتفق بخدّيه (٤) ، وزار على رأيه ، وراجع عن عزمه ، وقد أدبرت الحيلة ، وأقبلت الغيلة (٥) ولات حين مناص ، هيهات [هيهات]!! قد فات ما فات ، وذهب ما ذهب ، ومضت الدّنيا لحال بالها (٦) «فَمٰا بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّمٰاءُ وَاَلْأَرْضُ وَمٰا كٰانُوا مُنْظَرِينَ»
__________________
(١) تحير المذاهب : حيرة الناس فيها ، والمهارب : جمع مهرب ، وهو مكان الهرب ، وإنّما أعجزت الناس عن الهروب لأنها ليست كما يرونها مهارب بل هى مهالك
(٢) المحاول : جمع محال ـ بفتح الميم ـ أو محالة : بمعنى الحذق وجودة النظر ، أى : لم يفدهم ذلك خلاصا
(٣) أى : فمنهم ناج من الموت ، معقور : أى مجروح ، وهو من «عقر الشاة والبعير» إذا ضرب ساقه بالسيف وهو قائم. والمجزور : المسلوخ الذى أخذ عنه جلده ، والشلو ـ بالكسر ـ هنا البدن كله ، والمسفوح : المسفوك
(٤) المرتفق بخديه : واضع خديه على مرفقيه ، ومرفقيه على ركبتيه منصوبتين وهو جالس على إليته ، وهذه الأوصاف كناية عن الندم على التفريط والافراط. والزارى على رأيه : المقبح له اللائم لنفسه عليه
(٥) الغيلة : الشر الذى أضمرته الدنيا فى خداعها ، «ولات حين مناص» أى : ليس الوقت وقت التملص والفرار
(٦) البال : القلب والخاطر ، والمراد ذهبت على ما تهواه لا على ما يريد أهلها