حتّى أعنقوا فى حنادس جهالته (١)! ومهاوى ضلالته ، ذللا على سياقه سلسا فى قياده ، أمرا تشابهت القلوب فيه ، وتتابعت القرون عليه ، وكبرا تضايقت الصّدور به ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الّذين تكبّروا عن حسبهم ، وترفّعوا فوق نسبهم ، وألقوا الهجينة على ربّهم (٢) ، وجاحدوا اللّه على ما صنع بهم ، مكابرة لقضائه ، ومغالبة لآلائه (٣)!! فإنّهم قواعد أساس العصبيّة ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزاء الجاهليّة (٤) ، فاتّقوا اللّه ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا ، ولا لفضله عندكم حسّادا! ولا تطيعوا
__________________
(١) أعنقوا : من «أعنقت الثريا» غابت ، أى غابوا واختفوا ، والحنادس : جمع حندس ـ بكسر الحاء ـ وهو الظلام الشديد ، والمهاوى : جمع مهواة ، وهى الهوة التى يتردى فيها الصيد. والذلل : جمع ذلول ، من الذل ـ بالضم ـ ضد الصعوبة ، والسياق هنا : السوق ، والسلس ـ بضمتين ـ جمع سلس ـ ككتف ـ : وهو السهل ، والقياد من أمام كالسوق من خلف
(٢) الهجينة : الفعلة القبيحة ، والتهجين : التقبيح ، وأصل هذه المادة الهجنة ـ بضم الهاء وسكون الجيم ـ وهى فى الناس والخيل أن يكون الأب كريما والأم ليست كذلك ، وعكس هذا يسمى الاقراف ، وهو أن تكون الأم كريمة والأب ليس كذلك ، أى : إنهم باحتقار غيرهم من الناس قبحوا خلق اللّه لهم
(٣) الآلاء : النعم
(٤) اعتزاء الجاهلية : تفاخرهم بأنسابهم : كل منهم يعتزى ـ أى : ينتسب ـ إلى أبيه وما فوقه من أجداده ، وكثيرا ما يجر التفاخر إلى الحرب ، وهى إنما تكون بدعوة الرؤساء ، فهم سيوفها