عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه [وأوليائه] ، ولكنّه ـ سبحانه ـ كرّه إليهم التّكابر ، ورضى لهم التّواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم ، وعفّروا فى التّراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، وكانوا أقواما مستضعفين وقد اختبرهم اللّه بالمخمصة (١) ، وابتلاهم بالمجهدة ، وامتحنهم بالمخاوف ، ومخضهم بالمكاره ، فلا تعتبروا الرّضا والسّخط بالمال والولد (٢) جهلا بمواقع الفتنة ، والاختبار فى مواضع الغنى والاقتدار ، وقد قال سبحانه وتعالى «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَبَنِينَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْرٰاتِ بَلْ لاٰ يَشْعُرُونَ» فإنّ اللّه ـ سبحانه ـ يختبر عباده المستكبرين فى أنفسهم ، بأوليائه المستضعفين فى أعينهم ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون ، عليهما السّلام ، على فرعون وعليهما مدارع الصّوف وبأيديهما العصىّ فشرطا له إن أسلم بقاء
__________________
(١) المخمصة : الجوع ، والمجهدة : المشقة. ومخض اللبن : تحريكه ليخرج زبده وبابه قطع ونصر وضرب. والمكاره تستخلص إيمان الصادقين وتظهر مزاياهم العقلية والنفسية. وروى «محصهم» ـ بالحاء والصاد المهملتين ـ أى : طهرهم وزكاهم. وأصل المحص والتمحيص تخليص الشىء مما فيه من عيب ، تقول : محصت الذهب ـ مخففا ومشددا ـ إذا أزلته عنه ما يشوبه. وفى التنزيل : «وَلِيُمَحِّصَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا»
(٢) لا تجعلوا كثرة الأولاد ووفرة الأموال دليلا على رضا اللّه ، والنقص فيهما دليلا على سخطه ، فقد يكون الأول فتنة واستدراجا ، والثانى محنة وابتلاء