نبذوا السّرابيل وراء ظهورهم (١) ، وشوّهوا بإعفاء الشّعور محاسن خلقهم ، ابتلاء عظيما ، وامتحانا شديدا ، واختبارا مبينا ، وتمحيصا بليغا ، جعله اللّه سببا لرحمته ، ووصلة إلى جنّته. ولو أراد ـ سبحانه ـ أن يضع بيته الحرام ، ومشاعره العظام ، بين جنّات وأنهار ، وسهل وقرار (٢) ، جمّ الأشجار ، دانى الثّمار ، ملتفّ البنى ، متّصل القوى ، بين برّة سمراء (٣) ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، ورياض ناضرة ، وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء ، ولو كان الإساس المحمول عليها (٤) ، والأحجار المرفوع بها بين زمرّدة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفّف ذلك مسارعة الشّكّ فى الصّدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الرّيب من النّاس (٥) ، ولكنّ اللّه يختبر عباده بأنواع
__________________
(١) السرابيل : الثياب ، واحدها سربال ـ بكسر فسكون ـ وسربله فتسربل ، أى : ألبسه السربال فلبسه ، وإعفاء الشعور : تركها بلا حلق ولا قص
(٢) القرار : المطمئن من الأرض ، وجم الأشجار : كثيرها. والبنى : جمع بنية ـ بضم الباء ، وكسرها ـ : ما ابتنيته ، وملتف البنى : كثير العمران
(٣) البرة : الحنطة ، والسمراء أجودها. والأرياف : الأراضى الخصبة ، والعراص : جمع عرصة ، وهى الساحة ليس بها بناء ، والمحدقة : من «أحدقت الروضة» إذا صارت ذات شجر ، والمغدقة : من «أغدق المطر» إذا كثر ماؤه
(٤) الاساس ـ بكسر الهمزة ـ : جمع أس ـ مثلثها ـ أو أساس
(٥) الاعتلاج : الالتطام ، تقول «اعتلجت الأمواج» إذا التطمت ، أى : زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس