فما أشدّ اعتدال الأحوال (١) ، وأقرب اشتباه الأمثال!!!
تأمّلوا أمرهم فى حال تشتّتهم ونفرّقهم ، ليالى كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم يحتازونهم عن ريف الآفاق (٢) وبحر العراق ، وخضرة الدّنيا ، إلى منابت الشّيح ، ومهافى الرّيح (٣) ونكد المعاش ، فتركوهم عالة مساكين إخوان دبر ووبر (٤) أذلّ الأمم دارا ، وأجدبهم قرارا ، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها (٥) ولا إلى ظلّ ألفة يعتمدون على عزّها ، فالأحوال مضطربة ، والأيدى مختلفة ، والكثرة متفرّقة. فى بلاء أزل (٦) وأطباق جهل من بنات موءودة (٧) وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة
__________________
(١) الاعتدال هنا : التناسب ، والاشتباه : التشابه
(٢) يحتازونهم : يقبضونهم عن الأراضى الخصبة
(٣) المهافى : المواضع التى تهفو فيها الرياح ـ أى : تهب ـ والنكد ـ بالتحريك ـ أى : الشدة والعسر
(٤) الدبر ـ بالتحريك ـ القرحة فى ظهر الدابة. والوبر : شعر الجمال. والمراد أنهم رعاة
(٥) لا يأوون : لم يكن فيهم داع إلى الحق فيأوون إليه ويعتصمون بمناصرة دعوته.
(٦) «بلاء أزل» على الاضافة ، والأزل ـ بالفتح ـ : الشدة
(٧) من «وأد بنته» كوعد ـ أى : دفنها وهى حية ، وكان بنو إسماعيل من العرب يفعلون ذلك ببناتهم. وشن الغارة عليهم : صبها من كل وجه