فانظروا إلى مواقع نعم اللّه عليهم ، حين بعث إليهم رسولا (١) فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته ألفنهم ، كيف نشرت النّعمة عليهم جناح كرامتها ، وأسالت لهم جداول نعيمها ، والتفّت الملّة بهم فى عوائد بركتها (٢) ، فأصبحوا فى نعمتها غرقين ، وفى خضرة عيشها فكهين (٣)؟! قد تربّعت الأمور بهم (٤) فى ظلّ سلطان قاهر ، وآوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب ، وتعطّفت الأمور عليهم فى ذرى ملك ثابت ، فهم حكّام على العالمين ، وملوك فى أطراف الأرضين : يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم ، ويمضون الأحكام فيمن كان يمضيها فيهم ، لا تغمز لهم قناة (٥) ، ولا تقرع لهم صفاة!! ألا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة ، وثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة (٦) ، وإنّ اللّه ـ سبحانه ـ قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة
__________________
(١) هو نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم
(٢) يقال «التف الحبل بالحطب» إذا جمعه ، فملة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم جمعتهم بعد تفرقهم وجعلتهم جميعا فى بركاتها العائدة إليهم
(٣) راضين طيبة نفوسهم
(٤) تربعت : أقامت
(٥) هذا وما بعده كناية عن القوة والامتناع من الضيم ، والقناة : الرمح ، وغمزها : جسها باليد لينظر هل هى محتاجة للتقويم والتعديل فيفعل بها ذلك. والصفاة : الحجر الصلد ، وقرعها : صدمها لتكسر
(٦) ثلمتم : خرقتم. وقوله «بأحكام الجاهلية» متعلق بثلمتم