ومضر ، وقد علمتم موضعى من رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعنى فى حجره وأنا ولد يضمّنى إلى صدره ، ويكنفنى فى فراشه ، ويمسّنى جسده ، ويشمّنى عرفه (١) ، وكان يمضغ الشّىء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لى كذبة فى قول ، ولا خطلة فى فعل (٢) ، ولقد قرن اللّه به ، صلّى اللّه عليه وآله ، من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه (٣) يرفع لى فى كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرنى بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور فى كلّ سنة بحراء (٤) ، فأراه ولا يراه غيرى ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الإسلام غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وخديجة ، وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحى والرّسالة ، وأشمّ ريح النّبوّة ولقد سمعت رنّة الشّيطان حين نزل الوحى عليه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فقلت : يا رسول اللّه ، ما هذه الرّنّة؟ فقال : «هذا الشّيطان أيس من عبادته ،
__________________
(١) عرفه ـ بالفتح ـ : رائحته الذكية
(٢) الخطلة : واحدة الخطل ، كالفرحة واحدة الفرح ، والخطل : الخطأ ينشأ من عدم الروية.
(٣) الفصيل : ولد الناقة
(٤) حراء ـ بكسر الحاء ـ : جبل على القرب من مكة. كان الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم يتعبد فيه قبل البعثة