ورست أصولها فى الماء ، فأنهد جبالها عن سهولها (١) ، وأساخ قواعدها فى متون أقطارها ومواضع أنصابها ، فأشهق قلالها (٢) ، وأطال أنشازها (٣) ، وجعلها للأرض عمادا ، وأرّزها فيها أوتادا ، فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها (٤) ، أو تسيخ بحملها ، أو تزول عن مواضعها فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا (٥) وبسطها لهم فراشا! فوق بحر لجّىّ راكد لا يجرى (٦) ، وقائم لا يسرى ، تكركره الرّياح العواصف (٧). وتمخضه الغمام الذّوارف «إِنَّ فِي ذٰلِكَ»
__________________
(١) قوله «فأنهد الخ» كأن النشوز والمتون والأطواد كانت فى بداية أمرها على ضخامتها غير ظاهرة الامتياز ولا شامخة الارتفاع عن السهول ، حتى إذا ارتجت الأرض بما أحدثت يد القدرة الالهية فى بطونها نهدت الجبال عن السهول فانفصلت كل الانفصال ، وامتازت بقواعد سائخة ـ اى : غائصة ـ فى المتون من أقطار الأرض ، ومواضع الأنصاب : جمع نصب ـ بضمتين ـ وهو ما جعل علما يشهد فيقصد ، فان الجبال إنما تشامخت من مرتفع الأرض وصلبها
(٢) قلال الجبال : أعلاها ، وأشهقها : جعلها شاهقة ، أى : بعيدة الارتفاع
(٣) «أطال أنشازها» أى : مد متونها المرتفعة فى جوانب الأرض ، وأرزها ـ بالتشديد ـ ثبتها
(٤) أى : إن الأرض على حركتها المخصوصة بها سكنت عن أن تميد ـ أى : تضطرب ـ بأهلها وتتزلزل بهم إلا ما يشاء اللّه فى بعض مواضعها لبعض الأسباب. وتسيخ كتسوخ أى : تغوص فى الهواء فتنخسف ، وزوالها عن مركزها المعين لها
(٥) المهاد : الفرش وما تهيئه لنوم الصبى
(٦) لا يسيل فى الهواء
(٧) تكركره : تذهب به وتعود ، وشبه اشتمال السحاب على خلاصة ماء البحر ـ وهو بخاره ـ بمخضها له كأنه لبن تخرج زبده. والذوارف : جمع ذارفة ، من «ذرف الدمع» إذا سال.