سكنت ، ولأن يكونوا عبرا أحقّ من أن يكونوا مفتخرا ، ولأن يهبطوا بهم جناب ذلّة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزّة (١)!! لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة (٢) وضربوا منهم فى غمرة جهالة ، ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الدّيار الخاوية (٣) والرّبوع الخالية ، لقالت ذهبوا فى الأرض ضلاّلا ، وذهبتم فى أعقابهم جهّالا ، تطأون فى هامهم (٤) ، وتستثبتون فى أجسادهم وترتعون فيما لفظوا ، وتسكنون فيما خرّبوا ، وإنّما الأيّام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم (٥)
__________________
(١) أحجى : أقرب للحجى ، أى : العقل ، فان موت الآباء دليل الفناء ، ومن عاقبته فناء كيف يفتخر
(٢) العشوة ـ مثلث العين ـ ركوب الأمر على غير بيان ، وبفتح العين ليس غير : الظلمة. وأما سوء البصر فعشا ـ بالقصر ـ
(٣) الخاوية : المتهدمة ، والربوع : المساكن ، والضلال ـ كعشاق ـ : جمع ضال
(٤) جمع هامة : أعلى الرأس و «تستثبتون» أى : تحاولون إثبات ما تثبتون من الأعمدة والأوتاد والجدران فى أجسادهم لذهابها ترابا وامتزاجها بالأرض التى تقيمون فيها ما تقيمون ، ويروى «وتستنبتون فى أجسادهم» أى : تزرعون النبات فى أجسادهم ، وذلك لأن أديم الأرض الظاهر إذا كان من أبدان الموتى فالزرع لا محالة يكون ثابتا فى الأجزاء الترابية التى هى أبدان الحيوانات ، وترتعون : تأكلون وتتلذذون بما لفظوه ، أى : طرحوه وتركوه
(٥) بواك : جمع باكية ، ونوائح : جمع نائحة ، وبكاء الأيام على السابقين واللاحقين حفظها لما يكون من مصابهم