فقالوا : كلحت الوجوه النّواضر (١) ، وخوت الأجسام النّواعم ، ولبسنا أهدام البلى (٢) ، وتكاءدنا ضيق المضجع ، وتوارثنا الوحشة ، وتهكّعت علينا الرّبوع الصّموت ، فانمحت محاسن أجسادنا ، وتنكّرت معارف صورنا ، وطالت فى مساكن الوحشة إقامتنا ، ولم نجد من كرب فرجا ، ولا من ضيق متّسعا! فلو مثّلتهم بعقلك ، أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك ، وقد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكّت (٣) ، واكتحلت أبصارهم بالتّراب فخسفت ، وتقطّعت الألسنة فى أفواههم بعد ذلاقتها ، وهمدت القلوب فى صدورهم بعد يقظتها ، وعاث فى كلّ جارحة منهم جديد بلى سمّجها (٤) وسهّل طرق الآفة
__________________
(١) كلح ـ من باب خضع ـ كلوحا : تكشر فى عبوس ، والنواضر : الحسنة البواسم ، وخوت : تهدمت بنيتها وتفرقت أعضاؤها
(٢) الأهدام : جمع هدم ـ بكسر الهاء ـ وهو الثوب البالى أو المرقع ، و «تكاءده الأمر» أى : شق عليه ، وتهكعت : تهدمت ، والربوع : أماكن الاقامة. والصموت : التى لا تنطق ، والمراد بها القبور ، ويروى «وتهكمت ينا الربوع الصموت» بالميم. والتهكم : الاستهزاء والسخرية
(٣) ارتسخ : مبالغة فى رسخ ، ورسخ الغدير : نش ماؤه ، أى : أخذ فى النقصان ، و «نضب» أى : نضب مستودع قوة السماع وذهبت مادته بامتصاص الهوام ، وهى الديدان هنا ، واستكت الأذن : صمت ، وخسف عين فلان : فقأها ، وذلاقة الألسن : حدتها فى النطق
(٤) عاث : أفسد ، والبلى : التحلل والفناء ، وسمح الصورة تسميجا : قبحها ، أى : أفسد الفناء كل عضو منهم فقبحه