إليها ، مستسلمات فلا أيد تدفع ، ولا قلوب تجزع ، لرأيت أشجان قلوب (١) وأقذاء عيون ، لهم من كلّ فظاعة صفة حال لا تنتقل ، وغمرة لا تنجلى (٢).
وكم أكلت الأرض من عزيز جسد ، وأنيق لون ، كان فى الدّنيا غذىّ ترف (٣) ، وربيب شرف ، يتعلّل بالسّرور فى ساعة حزنه (٤) ، ويفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به ، ضنّا بغضارة عيشه ، وشحاحة بلهوه ولعبه؟! فبينما هو يضحك إلى الدّنيا وتضحك [الدّنيا] إليه فى ظلّ عيش غفول (٥) إذ وطىء الدّهر به حسكه ونقضت الأيّام قواه ونظرت إليه الحتوف من كثب (٦) فخالطه بثّ لا يعرفه ، ونجىّ همّ ما كان يجده ، وتولّدت فيه فترات
__________________
(١) لرأيت : جواب «لو مثلتهم» ، وأشجان القلوب : همومها واحدها شجن ـ بالتحريك ـ وأقذاء العيون : ما يسقط فيها فيؤلمها
(٢) الغمرة : الشدة
(٣) الأنيق : رائق الحسن ، والغذى : اسم بمعنى المفعول ، أى : مغذى بالنعيم ، والربيب : بمعنى المربى ، ربه يربه ، أى : رباه
(٤) يتشاغل بأسباب السرور ليتلهى بها عن حزنه ، والسلوة : انصراف النفس عن الألم بتخيل اللذة «ضنا» أى : بخلا ، وغضارة العيش : طيبه
(٥) وصف العيش بالغفلة لأنه إذا كان هنيئا يوجبها ، والحسك : نبات تعلق قشرته بصوف الغنم ورقه كورق الرجلة وأدق ، وعند ورقه شوك ملزز صب ذو ثلاث شعب. تمثيل لمس الآلام.
(٦) الحتوف : المهلكات ، وأصل الحتف الموت ، من كثب ـ بالتحريك ـ أى : قرب ، أى : توجهت إليه المهلكات على قرب منه ، والبث : الحزن ، والنجى : المناجى ، وخالطه الحزن : مازج خواطره