وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم (١) ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا ، وتجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربّهم من مقام ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، وتنزّلت عليهم السّكينة ، وفتحت لهم أبواب السّماء ، وأعدّت لهم مقاعد الكرامات ، فى مقام اطّلع اللّه عليهم فيه فرضى سعيهم ، وحمد مقامهم ، يتسمّون بدعائه روح التّجاوز (٢) رهائن فاقة إلى فضله ، وأسارى ذلّة لعظمته ، جرح طول الأسى قلوبهم (٣) ، وطول البكاء عيونهم ، لكلّ باب رغبة إلى اللّه منهم يد قارعة ، يسألون من لا تضيق لديه المنادح (٤) ، ولا يخيب عليه الرّاغبون ، فحاسب نفسك لنفسك ، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك
__________________
(١) أى : نسبوا ما صدر عنهم إلى تقصير هممهم عن أداء الواجب عليهم ، ولم يحولوه على ربهم ، فجعلوا الأوزار حملا على ظهورهم ، فاحسوا بالضعف عن الاستقلال بها ، أى : القيام بحملها ، ونشج الباكى ينشج ـ كضرب يضرب ـ نشيجا : غص بالبكاء فى حلقه ، والنحيب : أشد البكاء ، وتجاوبوا به : أجاب بعضهم بعضا يتناحبون ، وعج يعج ـ كضرب ومل ـ : صاح ورفع صوته ، فهم يصيحون من مواقف الندم والاعتراف بالخطأ
(٢) تنسم النسيم : تشممه ، والروح ـ بالفتح ـ النسيم ، أى : يتوقعون التجاوز بدعائهم له
(٣) الأسى : الحزن
(٤) المنادح : جمع مندوحة ، وهى كالندحة ـ بالضم والفتح ـ والمنتدح ـ بفتح الدال ـ : المتسع من الأرض