القصد حمدوا إليه طريقه (١) وبشّروه بالنّجاة ، ومن أخذ يمينا وشمالا ذمّوا إليه الطّريق وحدّروه من الهلكة ، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظّلمات ، وأدلّة تلك الشّبهات ، وإنّ للذّكر لأهلا أخذوه من الدّنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه : يقطعون به أيّام الحياة ، ويهتفون بالزّواجر عن محارم اللّه فى أسماع الغافلين (٢) ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه ، فكأنّما قطعوا الدّنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطّلعوا غيوب أهل البرزخ فى طول الإقامة فيه (٣) ، وحقّقت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدّنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى النّاس ، ويسمعون ما لا يسمعون. فلو مثّلتهم لعقلك فى مقاومهم المحمودة (٤) ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كلّ صغيرة وكبيرة أمروا بها فقصّروا عنها ، أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ،
__________________
(١) «أخذ القصد» أى : ركب الاعتدال فى سلوكه
(٢) هتف به ـ كضرب ـ صاح ودعا ، وهتفت الحمامة : صاتت
(٣) «فى طول الاقامة» حال من أهل البرزخ ، والعدات : جمع عدة ـ بكسر ففتح مخفف ـ أى : كأنما القيامة كشفت لهم عن الوعود التى وعد بها الأخيار والأشرار
(٤) مقاوم : جمع مقام ، مقاماتهم فى خطاب الوعظ ، والدواوين : جمع ديوان ، وهو مجتمع الصحف ، والدفتر : ما يكتب فيه أسماء الجيش وأهل الأعطيات.