فناؤها (١) ، وشيد بالتّراب بناؤها ، فمحلّها مقترب ، وساكنها مغترب ، بين أهل محلّة موحشين ، وأهل فراغ متشاغلين (٢) ، لا يستأنسون بالأوطان ، ولا يتواصلون تواصل الجيران ، على ما بينهم من قرب الجوار ، ودنوّ الدّار ، وكيف يكون بينهم تزاور وقد طحنهم بكلكله البلى (٣) ، وأكلنهم الجنادل والثّرى؟ وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه (٤) ، وارتهنكم ذلك المضجع ، وضمّكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور (٥) ، وبعثرت القبور؟ «هُنٰالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مٰا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اَللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ اَلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ»
__________________
(١) فناء الدار ـ بالكسر ـ ساحتها وما اتسع أمامها ، وبناء الفناء بالخراب تمثيل لما يتخيله الفكر فى ديار الموتى من الفناء الدائم إلى نهاية العالم
(٢) متشاغلين بما شاهدوا من عقبى أعمالهم
(٣) الكلكل : هو صدر البعير ، كأن البلى ـ بكسر الباء ، أى : الفناء ـ جمل برك عليهم فطحنهم ، والجنادل : الحجارة ، والثرى : التراب
(٤) ولقرب آجالكم كأنكم قد صرتم إلى مصيرهم ، وحبستم فى ذلك المضجع كما يحبس الرهن فى يد المرتهن
(٥) تناهى به الأمر : وصل إلى غايته ، والمراد انتهاء مدة البرزخ ، وبعثرت القبور : قلب ثراها وأخرج موتاها
(٦) «تبلوه» أى : تخبره ، فتقف على خيره وشره