وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، إنّ الأئمّة من قريش غرسوا فى هذا البطن من هاشم : لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم
منها : آثروا عاجلا ، وأخّروا آجلا ، وتركوا صافيا ، وشربوا آجنا (١) كأنّى أنظر إلى فاسقهم وقد صحب المنكر فألفه وبسىء به ووافقه (٢) حتّى شابت عليه مفارقه ، وصبغت به خلائقه! (٣) ثمّ أقبل مزبدا كالتّيّار لا يبالى ما غرّق ، أو كوقع النّار فى الهشيم لا يحفل ما حرّق!! (٤) أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى؟ والأبصار اللاّمحة إلى منار التّقوى (٥)؟ أين القلوب الّتى وهبت للّه وعوقدت على طاعة اللّه؟ ازدحموا على الحطام ، وتشاحّوا على
__________________
(١) آثروا : اختاروا. وأخروا : تركوا. والآجن : الماء المتغير اللون والطعم وفعله أجن يأجن ويأجن ، مثل ضرب يضرب ونصر ينصر ، وفيه وجه ثالث مثل فرح
(٢) بسىء به ـ كفرح ـ استأنس به ، و «ناقة بسوء» ألفت الحالب فلم تمنعه وقوله «شابت عليه مفارقه» يريد أنه قد طال عهده به منذ زمن الصبا إلى أن صار شيخا
(٣) ملكاته الراسخة فى نفسه ، يريد أن ذلك قد صار طبعا له لا يفارقه ولا ينفك عنه
(٤) الزبد ـ محركا ـ ما يخرج من الفم كالرغوة ، وتقول «أزبد» إذا خرج منه ذلك ، هذا أصله ، وهو يكنى به عن الصائل المقتحم. والتيار : معظم اللجة ، ولا يحفل ـ كيضرب ـ لا يبالى
(٥) أصل المنار ما ينصب فى الطريق ليكون علامة لسالكه ، وفى الحديث «إن للاسلام صوى ومنارا كمنار الطريق» وفى بعض النسخ «منازل التقوى» جمع منزل أو منزلة