أفياء أغصان ومهبّ رياح وتحت ظلّ غمام اضمحلّ فى الجوّ متلفّقها وعفا فى الأرض مخطّها (١) ، وإنّما كنت جارا جاوركم بدنى أيّاما وستعقبون منّى جثّة خلاء (٢) ساكنة بعد حراك ، وصامتة بعد نطوق. ليعظكم هدوّى وخفوت أطرافى (٣) وسكون أطرافى ، فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع. وداعيكم وداع امرىء مرصد للتّلاقى (٤) ، غدا ترون أيّامى ،
__________________
(١) الأفياء : جمع فيىء ، وهو الظل ينسخ ضوء الشمس عن بعض الأمكنة ، واضمحل : ذهب ، والميم زائدة ، ومنه الضحل وهو الماء القليل. وتقول : اضمحل السحاب ، أى : تقشع وذهب ، ولغة الكلابيين امضحل ـ بتقديم الميم ـ والمتلفق : المنضم بعضه على بعض ، وعفا : اندرس وذهب ، ومخطها : مكان ما خطت فى الأرض وضمير «متلفقها» للغمام ، وضمير «مخطها» للرياح ، يريد أنه كان فى حال شأنها الزوال فزالت ، وما هو بالعجيب
(٢) خالية من الروح
(٣) الخفوت : السكون ، وتقول : خفت خفوتا ، مثل سكن سكونا فى الوزن والمعنى. وتقول : خفت خفاتا ـ بضم خاء المصدر ـ إذا مات فجأة ، وأطرافه فى الأول : عيناه ، وفى الثانى : يداه ورأسه ورجلاه ، وقد روى ابن أبى الحديد الأول بالقاف المثناة مكسور الهمزة على أنه مصدر أطرق ، والثانى بالفاء الموحدة وفتح الهمزة أوله على أنه جمع طرف ، قال : «وإطراقه : إرخاؤه عينه ينظر إلى الأرض لضعفه عن رفع جفنه. وسكون أطرافه : هى يداه ورجلاه ورأسه» اه
(٤) «وداعيكم» أى : وداعى لكم ، وقد وردت الرواية به أيضا ، والاستعمال على أن «وداعى لكم» أو «وداعى إياكم» أكثر من «وداعيكم» لكون العامل اسما ، وإن كان مستعملا لانكارة فيه ، ومثله قول الشاعر ـ :
لئن كان حبك لى كاذبا |
|
لقد كان حبيك حقا يقينا |
و «مرصد» أى منتظر :