نطق ، أو تخوّف من صدق. فأفق أيّها السّامع من سكرتك ، واستيقظ من غفلتك! واختصر من عجلتك (١) ، وأنعم الفكر فيما جاءك على لسان النّبىّ الأمّىّ ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ممّا لا بدّ منه ، ولا محيص (٢) عنه ، وخالف من خالف ذلك إلى غيره ، ودعه وما رضى لنفسه ، وضع فخرك ، واحطط كبرك ، واذكر قدرك ، فإنّ عليه ممرّك ، وكما تدين تدان ، وكما تزرع تحصد ، وكما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا ، فامهد لقدمك (٣) وقدّم ليومك.
فالحذر الحذر أيّها المستمع ، والجدّ الجدّ أيّها الغافل «وَلاٰ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ» إنّ من عزائم اللّه فى الذّكر الحكيم الّتى عليها يثيب ويعاقب ، ولها يرضى ويسخط ، أنّه لا ينفع عبدا ـ وإن أجهد نفسه وأخلص فعله ـ أن يخرج من الدّنيا لاقيا ربّه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : أن يشرك باللّه فيما افترض عليه من عبادته ، أو يشفى غيظه بهلاك نفس ، أو يعرّ بأمر فعله
__________________
(١) أى : لا تكن عجلتك شديدة ، بل إذا كانت لك عجلة فلتكن شيئا يسيرا. وقوله «أنعم الفكر الخ» معناه دقق بفكرك وأصل هذه العبارة قولك «أنعمت سحق الحجر» ومن الناس من يجعل «أنعم» مقلوبا عن «أمعن»
(٢) «لا محيص عنه» أى : لا مفر ولا مهرب منه ، تقول : حاص عنه يحيص ـ من باب باع ـ حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا ، أى : عدل وحاد وهرب
(٣) مهد ـ كمنع ـ بسط. وأصله من «مهد الفراش» إذا بسطه ووطأه. وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها. وتمهيد العذر : بسطه وقبوله