زلفته. فلينظر ناظر بعقله أكرم اللّه محمّدا بذلك أم أهانه؟! فإن قال : «أهانه» فقد كذب وأتى بالافك العظيم ، وإن قال : «أكرمه» فليعلم أنّ اللّه [قد] أهان غيره حيث بسط الدّنيا له ، وزواها عن أقرب النّاس منه ، فتأسّى متأسّ بنبيّه (١) واقتصّ أثره ، وولج مولجه ، وإلاّ فلا يأمن الهلكة ، فإنّ اللّه جعل محمّدا ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، علما للسّاعة (٢) ومبشّرا بالجنّة ، ومنذرا بالعقوبة : خرج من الدّنيا خميصا (٣) وورد الآخرة سليما ، لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله ، وأجاب داعى ربّه ، فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتّبعه ، وقائدا نطأ عقبه (٤) واللّه لقد رقعت مدرعتى هذه حتّى استحييت من راقعها (٥) ولقد قال لى قائل : ألا تنبذها عنك؟ فقلت : اغرب عنّى (٦) «فعند الصّباح يحمد القوم السّرى»
__________________
(١) فتأسى : خبر يريد به الطلب ، أى : فليقتد مقتد بنبيه
(٢) العلم ـ بالتحريك ـ العلامة ، أى : إن بعثته دليل على قرب الساعة ، حيث لا نبى بعده
(٣) «خميصا» أى : خالى البطن ، كناية عن عدم التمتع بالدنيا
(٤) العقب ـ بفتح فكسر ـ مؤخر القدم ، ووطء العقب : مبالغة فى الاتباع والسلوك على طريقه : نقفوه خطوة خطوة ، حتى كاننا نطأ مؤخر قدمه
(٥) المدرعة ـ بالكسر ـ ثوب من صوف
(٦) «اغرب عنى» اذهب وابعد ، وقوله «عند الصباح ـ الخ» هذا مثل معناه إذا أصبح النائمون وقد رأوا السارين واصلين إلى مقاصدهم حمدوا سراهم ، وندموا