يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله (١) ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العارى ، ويردف خلفه ، ويكون السّتر على باب بيته فتكون فيه التّصاوير فيقول : يا فلانة ـ لإحدى أزواجه ـ غيّبيه عنّى ، فإنّى إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا وزخارفها (٢) فأعرض عن الدّنيا بقلبه ، وأمات ذكرها من نفسه ، وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتّخذ منها رياشا (٣) ، ولا يعتقدها قرارا ، ولا يرجو فيها مقاما ، فأخرجها من النّفس ، وأشخصها عن القلب (٤) وغيّبها عن البصر ، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه ، وأن يذكر عنده.
ولقد كان فى رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ما يدلّك على مساوى الدّنيا وعيوبها ، إذ جاع فيها مع خاصّته (٥) وزويت عنه زخارفها مع عظيم
__________________
(١) خصف النعل : خرزها. والحمار العارى : ما ليس عليه برذعة ولا إكاف ، وأردف خلفه : أركب معه شخصا آخر على حمار واحد أو جمل أو فرس أو نحوها وجعله خلفه
(٢) فى هذا دليل على أن الرسم على الورق والأثواب ونحوها لا يمنع استعماله ، وإنما يتجافى عنه بالنظر تزهدا وتورعا
(٣) الرياش : اللباس الفاخر
(٤) أشخصها : أبعدها
(٥) خاصته : اسم فاعل فى معنى المصدر ، أى : مع خصوصيته وفضله عند ربه وعظيم الزلفة : منزلته العليا من القرب إلى اللّه ، و «زوى الدنيا عنه» قبضها وأبعدها