الحجر ويلبس الخشن ، [ويأكل الجشب] وكان إدامه الجوع ، وسراجه باللّيل القمر ، وظلاله فى الشّتاء مشارق الأرض ومغاربها (١) ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ، ولا طمع يذلّه ، دابّته رجلاه ، وخادمه يداه.
فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر (٢) صلّى اللّه عليه وآله ، فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى ، وعزاء لمن تعزّى ، وأحبّ العباد إلى اللّه المتأسّى بنبيّه ، والمقتصّ (٣) لأثره : قضم الدّنيا قضما (٤) ولم يعرها طرفا ، أهضم أهل الدّنيا كشحا (٥) وأخمصهم من الدّنيا بطنا ، عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها ، وعلم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ، وحقر شيئا فحقره ، وصغّر شيئا فصغّره ، ولو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه ورسوله ، وتعظيمنا ما صغّر اللّه ورسوله ، لكفى به شقاقا للّه ، ومحادّة عن أمر اللّه (٦) ولقد كان ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ،
__________________
(١) ظلاله : جمع ظل ، بمعنى الكن والمأوى. ومن كان كنه المشرق والمغرب فلا كن له
(٢) «تأس» أى : اقتد
(٣) المقتص لأثره : المتتبع له ، ومنه قوله تعالى : «وَقٰالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ»
(٤) القضم : الأكل بأطراف الأسنان ، كأنه لم يتناول منها إلا على اطراف أسنانه لم يملأ منها فمه ، أو بمعنى أكل اليابس
(٥) «أهضم» من «الهضم» وهو خمص البطن ، أى : خلوها وانطباقها من الجوع ، والكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفى ، وأخمصهم : أخلاهم
(٦) المحادة : المخالفة فى عناد