وقد كان فى رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله ، كاف لك فى الأسوة (١) ودليل [لك] على ذمّ الدّنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها (٢) ، إذ قبضت عنه أطرافها ، ووطّئت لغيره أكنافها (٣) وفطم عن رضاعها ، وزوى عن زخارفها ، وإن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله ، إذ يقول : «رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» واللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله ، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذّب لحمه (٤) وإن شئت ثلّثت بداود ، صلّى اللّه عليه وسلّم ، صاحب المزامير ، وقارئ أهل الجنّة ، فلقد كان يعمل سفائف الخوض بيده (٥) ويقول لجلسائه : أيّكم يكفينى بيعها؟! ويأكل قرص الشّعير من ثمنها ، وإن شئت قلت فى عيسى ابن مريم ، عليه السّلام ، فلقد كان يتوسّد
__________________
والمصدر منهما الكبر كعنب
(١) الأسوة : القدوة
(٢) المخازى : جمع مخزاة ، وهى الأمر يستحى من ذكره لقبحه ، والمساوى : العيوب ، جمع مساءة ، وتقول : ساءه يسوءه. سوءا ومساءة ومسائية
(٣) الأكناف : الجوانب ، و «زوى» أى : قبض
(٤) الصفاق ـ ككتاب ـ هو الجلد الأسفل تحت الجلد الذى عليه الشعر ، أو هو ما بين الجلد والمصران ، أو جلد البطن كله. وشفيفه : رقيقه الذى يشف عما وراءه والتشذب : التفرق وانهضام اللحم فتحلل الأجزاء وتفرقها
(٥) السفائف : جمع سفيفة ، وهى وصف من «سف الخوص» إذا نسجه ، أى : منسوجات الخوص