الكبير ، ويرجو العباد فى الصّغير ، فيعطى العبد ما لا يعطى الرّبّ ، فما بال اللّه ، جلّ ثناؤه ، يقصّر به عمّا يصنع لعباده؟! أتخاف أن تكون فى رجائك له كاذبا ، أو تكون لا تراه للرّجاء موضعا ، وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطى ربّه ، فجعل خوفه من العباد نقدا ، وخوفه من خالقهم ضمارا ووعدا (١) وكذلك من عظمت الدّنيا فى عينه وكبر موقعها فى قلبه (٢) آثرها على اللّه فانقطع إليها وصار عبدا لها
__________________
عمل ، والخوف المحقق : هو الثابت الذى يبعث على البعد عن المخوف والهرب منه وهو فى جانب اللّه ما يمنع عن إتيان نواهيه ويحمل على إتيان أوامره : هربا من عقابه وخشية من جلاله ، والخوف المعلول : هو ما لم يثبت فى النفس ، ولم يخالط القلب ، وإنما هو عارض فى الخيال : يزيله أدنى الشواغل ، ويغلب عليه أقل الرغائب ، فهو يرد على الوهم ، ثم يفارقه ، ثم يعود إليه ، شأن الأوهام التى لا قرار لها ، فهو معلول : من عله يعله إذا شربه مرة بعد أخرى ، ومراد الامام أن الراجى لعبد من العبيد يظهر رجاؤه فى سعيه واهتمامه بشأن من رجاه وموافقته على أهوائه ، وكذلك الخائف من أمير أو سلطان يرى أثر خوفه فى تهيبه والامتناع من كل ما يحرك غضبه بل ما يتوهم فيه أنه غير حسن عنده ، لكنهم فى رجاء اللّه وخوفه يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم مع أنهم يرجون اللّه فى سعادة الدارين ، ويخافونه فى شقاء الأبد ، فيعطون للعبيد ما لا يعطون للّه
(١) الضمار ـ ككتاب ـ من الوعود والديون ما كان مسوفا به غير مرجو الوفاء قال الراعى : ـ
حمدن مزاره ، وأصبن منه |
|
عطاء لم يكن عدة ضمارا |
(٢) يقال : كبر ـ بضم الباء ـ أى : عظم ، فهو كبير وكبار ـ بزنة شجاع ـ فاذا أفرط فى العظم قيل كبار ـ بتشديد الباء ـ فأما كبر ـ بكسر الباء ـ فمعناه أسن ،