وأتوكّل على اللّه توكّل الإنابة إليه ، وأسترشده السّبيل المودّية إلى جنّته ، القاصدة إلى محلّ رغبته (١). أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه وطاعته ، فإنّها النّجاة غدا ، والمنجاة أبدا ، رهّب فأبلغ ، ورغب فأسبغ (٢) ووصف لكم الدّنيا وانقطاعها وزوالها وانتقالها ، فأعرضوا عمّا يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها.
أقرب دار من سخط اللّه ، وأبعدها من رضوان اللّه! فغضّوا عنكم عباد اللّه غمومها وأشغالها لما أيقنتم به من فراقها وتصرّف حالها ، فاحذروها حذر الشّفيق النّاصح (٣) والمجدّ الكادح ، واعتبروا بما قد رأيتم من مصارع القرون قبلكم : قد تزايلت أوصالهم (٤) وزالت أبصارهم وأسماعهم ، وذهب شرفهم وعزّهم ، وانقطع سرورهم ونعيمهم ، فبدّلوا بقرب الأولاد فقدها ، وبصحبة الأزواج مفارقتها ، لا يتفاخرون ، ولا يتناسلون ، ولا يتزاورون ، ولا
__________________
والمآب : المرجع ، مصدر ميمى من «آب يؤوب» إذا رجع وعاد. والوبيل : ذو الوبال ، وهو الهلاك
(١) الانابة : مصدر «أناب ينيب» أى : رجع. والسبيل : الطريق ، يذكر ويؤنث ، وقوله «القاصدة» صفة ثانية للطريق ، ومعناها فى الأصل ضد الجائرة ، وأراد منها ههنا المؤدية والمفضية ولذلك عداها بالى
(٢) «أستبغ» أى : أحاط بجميع وجوه الترغيب
(٣) الشفيق : الخائف ، والناصح : الخالص ، والمجد : المجتهد ، والكادح : المبالغ فى سعيه.
(٤) تزايلت : تفرقت ، والأوصال : المفاصل ، أو مجتمع العظام ، وتفرقها : كناية عن تبددهم وفنائهم