لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين حيث لم تسلم عليه قارّة ، ولم تثبت عليه أكمة ، ولم يردّ سننه رصّ طود ، ولا حداب أرض ، يذعذعهم اللّه فى بطون أوديته (١) ثمّ يسلكهم ينابيع فى الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، ويمكّن لقوم فى ديار قوم ، وايم اللّه ليذوبنّ ما فى أيديهم بعد العلوّ والتّمكين (٢) كما تذوب الألية على النّار.
أيّها النّاس ، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ ، ولم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، ولم يقو من قوى عليكم ، لكنّكم تهتم متاه بنى إسرائيل!! ولعمرى ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدى أضعافا (٣) بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم ، وقطعتم الأدنى ، ووصلتم الأبعد!! واعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعى لكم سلك بكم منهاج الرّسول ، وكفيتم مؤونة الاعتساف ونبذتم
__________________
أى : الانضمام والتلاصق أى : لم يمنع جريه تلاصق الجبال ، والحداب : جمع حدب ـ بالتحريك ـ وهو : ما غلظ من الأرض فى ارتفاع
(١) يذعذعهم : يفرقهم ، وبطون الأودية : كناية عن مسالك الاختفاء ، «ثم يسلكهم ينابيع فى الأرض» أى : إنهم يسرون دعوتهم وينفثونها فى الصدر حتى تثور ثائرتها فى القلوب كما تفور الينابيع من عيونها ، وقد كان ذلك فى قيام الهاشميين على الأمويين فى زمن مروان الحمار
(٢) الضمير فى «أيديهم» لبنى أمية. والألية : الشحمة.
(٣) «ليضعفن لكم التيه». لتزداد لكم الحيرة أضعاف ما هى لكم الآن