.................................................................................................
______________________________________________________
شيئين قد تقدّم أحدهما على ثالث لجهةٍ من الجهات يحكم بتقدّم الآخر عليه أيضاً بعد أن كان فاقداً لتلك الجهة والعلّة كما هو ظاهر إجمالاً وموضح في محلّه تفصيلاً. إذن فدعوى أنّ تأخر تمليك المنفعة عن تمليك العين لأجل التبعيّة يستلزم تأخّره عن الإجارة الواقعة في مرتبة البيع ساقطة ، بل هما في مرتبة واحدة بعد وضوح اختصاص مناط التأخّر بالأوّل وعدم سريانه في الثاني.
وأمّا ثانياً : فلأنا لو سلّمنا تأخّره عن الإجارة في المرتبة فلا يكاد ينفع في دفع المزاحمة ، حيث إنّها منوطة بتقارن العقدين زماناً واجتماعهما خارجاً في آن واحد ، سواء أكان بينهما سبق ولحوق رتبي أم لا ، فإنّ ذلك إنّما ينفع ويترتّب عليه الأثر في الفلسفة والأُمور العقليّة ، وأمّا الأحكام الشرعيّة فهي متوقّفة على وجود موضوعاتها خارجاً ، والمفروض وقوع البيع والإجارة في آنٍ واحد ، ففي الزمان الذي يحكم فيه بملكيّة المنفعة للمستأجر بمقتضى الإجارة يحكم فيه أيضاً بملكيّتها للمشتري بتبع ملكيّته للعين بمقتضى البيع ، وحيث يمتنع الجمع فلا جرم يتزاحمان ، وحديث التقدّم الرتبي لا يكاد يجدي في حلّ هذه المشكلة ورفع المعضلة شيئاً.
ومن جميع ما ذكرناه يظهر لك : أنّ المتعيّن إنّما هو اختيار الوجه الثالث ، لتزاحم العقدين في تمليك المنفعة ، فيتساقطان بالإضافة إلى هذا الأثر بعد امتناع الجمع وبطلان الترجيح من غير مرجّح ، فبطبيعة الحال تكون المنفعة في مدّة الإجارة باقية في ملك البائع ، لعدم المخرج بعد الابتلاء بالمزاحم ، وأمّا تمليك العين المجرّدة عن المنفعة فلا مزاحم له ، ومن ثمّ يحكم بصحّة بيعها وانتقالها إلى المشتري مسلوبة المنفعة ، غايته ثبوت الخيار للمشتري لأجل هذا النقص ، فلا تصل النوبة إلى مزاحمة الإجارة للبيع كي يحكم بفسادهما ، وإنّما التزاحم في تمليك المنفعة دون العين ، ونتيجته ما عرفت من صحّة البيع بالنسبة إلى العين فقط وبطلان الإجارة.