.................................................................................................
______________________________________________________
الظاهر هو الثاني ، ولا تنافي بين الأمرين ، أعني : وقوع الأُجرة بإزاء نفس العمل ، وعدم جواز المطالبة قبل التسليم.
والوجه فيه : أنّ التسليم والتسلّم وإن لم يكن دخيلاً في الملكيّة في أكثر المعاوضات ما عدا اليسير منها كبيع الصرف والسلم والهبة والوقف الخاصّ ، إلّا أنّه مع ذلك لا يجب على أحدهما التسليم ما لم يسلّم الآخر ، لما تقدّم من الشرط الضمني الارتكازي الثابت ببناء العقلاء في كافّة المعاوضات ما لم تقم قرينة على الخلاف من اشتراطٍ ونحوه.
ولا ينبغي الشكّ في أنّ هذا الشرط الارتكازي موجود في المقام أيضاً ، فإنّه غير شاذّ عن تلك الضابطة ولا خارج عن تلك القاعدة السارية لدى العرف والعقلاء ، فإنّهم لا يشكّون في أنّ الخيّاط المزبور ليس له مطالبة الأُجرة بمجرّد الفراغ عن العمل بأن يقول للمستأجر : إنِّي قد فرغت عن خياطة ثوبك وهو موجود في الدكّان ولكنّي اطالبك بالأُجرة. فإنّ مثل هذه المطالبة تعدّ في نظر العقلاء في غير محلّها ، بل مضحكة للثكلى ، وإنّما تصحّ منه المطالبة بعد تسليم المخيط لصاحبه ، كما أنّ العكس أيضاً كذلك ، حيث لا يسوغ للمستأجر المطالبة أيضاً قبل دفع الأُجرة ، فيجوز للأجير حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفيها ، وكلاهما بمناط واحد ، وهو الشرط الارتكازي المزبور القائم على عدم استحقاق المطالبة قبل تسليم ما للآخر عليه تسليماً لا يكون في مثل المقام بنظر العرف إلّا بتسليم مورد العمل.
فكما أنّه لو اشترط ذلك صريحاً في متن العقد فقال : لن أدفع الأُجرة ما لم تسلّم الثوب مخيطاً ، لم تكن له المطالبة حينئذٍ قبل التسليم بالضرورة ، فكذا في الشرط الارتكازي الذي هو بعد فرض نفوذه في قوّة التصريح به في متن العقد.
وعلى الجملة : فلا منافاة بين أن نلتزم بما التزم به الماتن من أنّ الأُجرة بإزاء العمل لا الصفة ، ومع ذلك يكون القول الثاني هو الأظهر بلحاظ الشرط