.................................................................................................
______________________________________________________
«أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» (١) ، ومعلوم أنّه لا تنافي بين الدليلين بعد كونهما مثبتين لكي يتصدّى لعمليّة الإطلاق والتقييد ، فمن الجائز مساواة عمده مع الخطأ في غير الجنايات أيضاً من العقود والإيقاعات ، ونتيجتها اعتبار البلوغ في العاقد كما يقتضيه إطلاق الصحيحة.
إلّا أنّ الظاهر أنّها في نفسها قاصرة الشمول لمثل ذلك ، فلم ينعقد لها الإطلاق من الأوّل بالإضافة إلى غير مورد الجنايات ، لا أنّ الإطلاق موجود ويقيّد حتى يعترض بعدم المجال للتقييد حسبما عرفت.
والوجه فيه : أنّ الوارد في الصحيحة لو كان هكذا : عمد الصبي كلا عمد ، لتمّ الاستدلال ، لدلالتها حينئذٍ على أنّ الفعل الصادر منه عن عمد بمثابة عدم العمد وكأنّه لم يقصد فلا يترتّب عليه الأثر ، لكن المذكور فيها هكذا : «عمد الصبي وخطؤه واحد» فتضمّنت تنزيل العمد منزلة الخطأ لا منزلة عدم العمد. وظاهر هذا التعبير مشاركة هذين العنوانين فيما يترتّب عليهما من الأحكام وأنّ كلّ حكم يترتّب على الخطأ في غير الصبي ، فهو مترتّب على العمد بالإضافة إلى الصبي ، إذ التنزيل في مثل ذلك إنّما هو بلحاظ الحكم.
وهذا يقتضي فرض الكلام في موردٍ يكون كلّ من عنواني العمد والخطأ بحياله موضوعاً لحكم مستقلّ بإزاء الآخر وهو خاصّ بباب الجنايات ، حيث إنّ في صورة العمد يثبت القصاص أو الدية حسب اختلاف الموارد ، وفي صورة الخطأ تكون الدية على العاقلة. هذا في البالغين ، فيراد من التنزيل المزبور أنّ عمد الصبي بمثابة خطأ البالغ فلا تترتّب عليه إلّا الدية على العاقلة على ما نطقت به موثّقة إسحاق المتقدّمة.
__________________
(١) الوسائل ٢٩ : ٤٠٠ / أبواب العاقلة ب ١١ ح ٣.