بمستنكر له ، إلاّ أنّ السيف أجلّه. وإنّ قيساً أحد الأجواد ، حكمت مملوكته في ماله بغير علمه ، واستحسن فعلها ، وعتقها شكراً لها على ما فعلت. وأجمعوا على أنّ أسخى الثلاثة عُرابة الأوسي ، لأنَّه جاد بجميع ما يملكه ، وذلك جهد من مقلّ.
البداية والنهاية (١) (٨ / ١٠٠).
حديث خطابته :
إنَّ تقدُّم سيِّد الأنصار في المعالم الدينيّة ، وتضلّعه في علمي الكتاب والسنّة ، وعرفانه بمعاريض القول ومخاريق القيل وسقطات الرأي ، وتحلّيه بما يحتاج إليه مدارِه الكلام ومشيخة الخطابة من العلم الكثار ، والأدب الجمّ ، وربط الجأش ، وقوّة العارضة ، وحسن التقرير ، وجودة السرد ، وبلاغة المنطق ، وطلاقة اللسان ، ومعرفة مناهج الحِجاج والمناظرة ، وأساليب إلقاء المحاضرة ، كلّها براهين واضحة على حظِّه الوافر وقسطه البالغ من هذه الخُلّة ، وإنَّه أعلى الناس ذا فوق (٢) ، على أنّ فيما مرّ وما يأتي من كلمه وخطبه خُبراً يصدِّق الخبر ، وشاهد صدق على أنَّه أحد أمراء الكلام ، كما كان في مقدَّم أمراء السيف. فهو خطيب الأنصار المفوَّه ، واللسِنُّ الفذّ من الخزرج ، ومتكلِّم الشيعة الأكبر ، ولسان العترة الطاهرة الناطق ، والمجاهد الوحيد دون مبدئه المقدَّس بالسيف واللسان ، أخطب من سحبان وائل ، وأنطق من قُسّ الأيادي ، وأصدق في مقاله من قطاة (٣).
وناهيك بقول معاوية بن أبي سفيان لقومه يوم صفِّين : إنّ خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كلّ يوم خطيباً ، وهو والله يريد أن يفنينا غداً إن لم يحبسه عنّا
__________________
(١) البداية والنهاية : ٨ / ١٠٨ حوادث سنة ٥٩ ه.
(٢) مثل يضرب : أي أعلى الناس سهماً. (المؤلف)
(٣) أصدق من قطاة : مثل مشهور [يضرب للصدق ، لانّ القطاة لها صوت واحد لا يتغيّر. انظر : مجمع الأمثال : ٢ / ٢٤٧ رقم ٢١٧٣]. (المؤلف)