معاوية وعمرو
استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سيان ، فلمّا دخل عليه استضحك معاوية ، فقال عمرو : ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ أدام الله سرورك. قال : ذكرتُ ابن أبي طالب وقد غَشِيَكَ بسيفه فاتّقيته وولّيتَ. فقال : أتشمتُ بي يا معاوية؟ وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز ، فالتمع لونك ، وأَطّتْ (١) أضالعك ، وانتفخ منخرُك ، والله لو بارزته لأوجعَ قذالك (٢) ، وأيتم عيالك ، وبزّك سلطانك ، وأنشأ عمرو يقول :
معاويَ لا تَشمَتْ بفارس بُهمةٍ |
|
لقي فارساً لا تعتريه الفوارسُ |
معاويَ إنْ أبصرتَ في الخيلِ مُقبلاً |
|
أبا حسنٍ يهوي دَهَتْكَ الوساوسُ |
وأيقنتَ أنَّ الموتَ حقٌّ وأنَّهُ |
|
لنفسِك إنْ لم تمضِ في الركض حابسُ |
فإنَّكَ لو لاقيتَهُ كنت بومةً (٣) |
|
أُتيحَ لها صقرٌ من الجوِّ رايسُ (٤) |
وما ذا بقاءُ القومِ بعد اختباطِهِ؟ |
|
وإنَّ امرأً يلقى عليّا لآيسُ |
دعاكَ فصمّت دونه الأُذنُ هارباً |
|
فنفسُكَ قد ضاقت عليها الأمالسُ (٥) |
وأيقنت أنَّ الموتَ أقربُ موعدٍ |
|
وأنَّ الذي ناداك فيها الدهارسُ (٦) |
وتشمتُ بي أن نالني حدُّ رمحِهِ |
|
وعضّضني نابٌ من الحربِ ناهسُ (٧) |
أبى اللهُ إلاّ أنَّهُ ليثُ غابةٍ |
|
أبو أشبُلٍ تُهدى إليه الفرائس |
__________________
(١) أطّ [الأطيط] : صوت الإبل : حنّت. (المؤلف)
(٢) القذال : بين الأُذنين من مؤخر الرأس ، والجمع قُذل ، وأقذلة. (المؤلف)
(٣) البوم والبومة : طائر يسكن الخراب. يضرب به المثل في الشؤم. (المؤلف)
(٤) من راس يريس : مشى متبختراً. يقال راس القوم : اعتلى عليهم وغلبهم. (المؤلف)
(٥) الأمالس والاماليس ، جمع إمليس : الفلاة التي ليس فيها نبات. (المؤلف)
(٦) الدهرس : الشدّة والبليّة. (المؤلف)
(٧) نهس اللحم نهساً ـ بفتح العين وكسره ـ : أخذه ونتفه ومدّه بالفم. (المؤلف)