فقالوا : خُذ لنا أماناً! فأخذ لهم إنَّ لهم كذا وكذا ، وأن لا يعاقَبوا بشيء ، وأنَّه رجلٌ منهم ، ولم يأخذ لنفسه خاصّة شيئاً. ثمَّ ارتحل نحو المدينة ومضى بأصحابه.
حديث جوده :
لا يسعنا بسط المقال في أخبار قيس من هذه الناحية لكثرتها ، غير أنَّا نورد لك شيئاً من ذلك الكثير الطيّب ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق (١) ، وكانت هذه الخلّة من هذا البيت على عنق الدهر ـ أي قديماً ـ وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «الجود من شيمة أهل ذلك البيت» (٢).
باع قيس مالاً من معاوية بتسعين ألفاً ، فأمر منادياً فنادى في المدينة : من أراد القرض فليأت منزل سعد ، فأقرض أربعين أو خمسين وأجاز الباقي ، وكتب على من أقرَّ له صكّا ، فمرض مرضاً قلَّ عُوّاده ، فقال لزوجته قُريبة بنت أبي قحافة ـ أخت أبي بكر ـ : يا قُريبة لِم تَرين قلَّ عُوَّادي؟ قالت : للّذي لك عليهم من الدين. فأرسل إلى كلِّ رجل بصكّه المكتوب عليه ، فوهبه مالَهُ عليهم (٣).
قال جابر : خرجنا في بعثٍ كان عليهم قيس بن سعد ، ونحرَ لهم تسع ركائب ، فلمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له من أمر قيس ، فقال : «إنّ الجودَ من شيمة أهل ذلك البيت».
ولمّا ارتحل من العراق نحو المدينة ومضى بأصحابه ، جعل ينحر لهم كلَّ يوم جزوراً حتى بلغ (٤).
__________________
(١) مثل يضرب : أي حسبك بالقليل من الكثير [مجمع الأمثال : ١ / ٣٤٨ رقم ١٠٣٥]. (المؤلف)
(٢) الإصابة : ٤ / ٢٥٤ [٣ / ٢٤٩ رقم ٧١٧٧]. (المؤلف)
(٣) تاريخ الخطيب البغدادي : ١ / ١٧٧ [رقم ١٧] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٦٩ [٨ / ١٠٨ حوادث سنة ٥٩ ه]. (المؤلف)
(٤) الاستيعاب : ٢ / ٥٢٥ [القسم الثالث / ١٢٩٠ رقم ٢١٣٤] ، تهذيب التهذيب : ٨ / ٣٩٨ [٨ / ٣٥٤ رقم ٧٠٢]. (المؤلف)