١٩ ـ
عمرو وابن أخيه
كان لعمرو بن العاص ابن أخ (١) أريب من بني سهم جاءه من مصر ، فقال له : ألا تخبرني يا عمرو بأيِّ رأي تعيش في قريش؟ أعطيت دينك ، وتمنّيت دنيا غيرك ، أترى أهل مصر وهم قَتَلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعليٌّ حيٌّ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدّمه في الكتاب (٢)؟
فقال عمرو : يا ابن أخي إنَّ الأمر لله دون عليّ ومعاوية. فقال الفتى :
ألا يا هندُ أُختَ بني زيادٍ |
|
رُمي عمروٌ بداهيةِ البلادِ |
رُمي عمروٌ بأعورَ عَبْشَميٍ |
|
بعيدِ القعر محشيِّ الكبادِ (٣) |
له خُدعٌ يَحارُ العقلُ فيها |
|
مزخرفةٌ صوائدُ للفؤادِ |
فشرّطَ في الكتابِ عليه حرفاً |
|
يُناديه بخدعته المنادي |
وأثبت مثلَهُ عمروٌ عليه |
|
كلا المرأين حيّةُ بطنِ وادي |
ألا يا عمرو ما أحرزت مصراً |
|
وما مِلْت الغداة إلى الرشاد |
وبعت الدين بالدنيا خساراً |
|
فأنت بذاك من شرِّ العبادِ |
فلو كنتَ الغداةَ أخذتَ مصراً |
|
ولكن دونها خرطُ القتادِ |
وفدتَ إلى معاويةَ بنِ حربٍ |
|
فكنتَ بها كوافدِ قومِ عادِ |
وأُعطيتَ الذي أعطيتَ منها |
|
بِطَرْسٍ فيه نضحٌ من مدادِ |
ألم تعرف أبا حسنٍ عليّا |
|
وما نالتْ يداه من الأعادي |
عدلتَ به معاويةَ بنَ حربٍ |
|
فيا بُعد البياضِ من السوادِ |
__________________
(١) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ابن عم. (المؤلف)
(٢) يعني كتاباً كتبه معاوية لعمرو بمصر ، وجعلها طعمة له. (المؤلف)
(٣) يعني معاوية. يقال في النسبة إلى عبد شمس : عبشمي. حشا حشواً : ملأ. احتشى : امتلأ. (المؤلف)