فقال ابن عبّاس : يا ابن النابغة ضلَّ والله عقلك ، وسفه حلمك ، ونطقَ الشيطانُ على لسانك ، هلاّ تولّيت ذلك بنفسك يوم صفِّين حين دُعيت نَزالِ (١) ، وتكافح الأبطال ، وكثر الجراح ، وتقصّفت (٢) الرماح ، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولاً ، فانكفأ نحوك بالسيف حاملاً ، فلمّا رأيت الكواثر من الموت ، أعددت حيلة السلامة قبل لقائه ، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه ، فمنحته رجاء النجاة عورتك ، وكشفت له خوف بأسه سوأتك ، حَذَراً أنْ يصطلمك بسطوته ، أو يلتهمَك (٣) بحملته ثمَّ أشرتَ على معاوية كالناصح له بمبارزته ، وحسّنت له التعرّض لمكافحته ، رجاء أن تكتفى مؤونته ، وتعدم صورته ، فعلِمَ غِلَّ صدرك ، وما انحنت عليه من النفاق أضلعك ، وعرف مقرَّ سهمك في غرضِك ، فاكفف غربَ لسانك ، واقمع عوراء لفظك ، فإنَّك بين أسدٍ خادر ، وبحر زاخر ، إن تبرّزت للأسد افترسك ، وإن عُمت في البحر قمسك ـ أي : غمسك وأغرقك. شرح ابن أبي الحديد (٤) (٢ / ١٠٥) ، جمهرة الخطب (٥) (٢ / ٩٣).
عبد الله المرقال وعمرو :
كان في نفس معاوية من يوم صفِّين إحنٌ على هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال وولده عبد الله ، فلمّا استعمل معاوية زياداً على العراق كتب إليه :
أمّا بعد : فانظر عبد الله بن هاشم ، فشُدَّ يده إلى عنقه ، ثمَّ ابعث به إليَّ ، فحمله زياد من البصرة مقيَّداً مغلولاً إلى دمشق ، وقد كان زياد طرقه بالليل في منزله
__________________
(١) نَزالِ : اسم فعل بمعنى : إنزل : أي حين قال الأبطال بعضهم لبعض : انزل. (المؤلف)
(٢) تقصّفت : تكسّرت. (المؤلف)
(٣) التهم الشيء : ابتلعه بمرّة. (المؤلف)
(٤) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٩٨ خطبة ٨٣.
(٥) جمهرة خطب العرب : ٢ / ١٠٢ رقم ٩٥ ، ٩٦.