جنايات على الحديث
منها : ما ارتكبه الطبري في تفسيره (١) (١٩ / ٧٤) فإنّه بعد روايته له في تاريخه كما سمعت ، قلب عليه ظهر المِجنِّ في تفسيره فأثبته برمّته حرفيّا متناً وإسناداً ، غير أنّه أجملَ القول فيما لهج به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في فضل من يبادر إلى تلقّي الدعوة بالقبول ، قال : فقال : «فأيُّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟».
وقال في كلمته صلىاللهعليهوآلهوسلم الأخيرة : ثمّ قال : «إنَّ هذا أخي وكذا وكذا». وتبعه على هذا التقلّب ابن كثير الشامي في البداية والنهاية (٢) (٣ / ٤٠) وفي تفسيره (٣ / ٣٥١) فعل ابن كثير هذا ، وثقل عليه ذكر الكلمتين وبين يديه تاريخ الطبري وهو مصدره الوحيد في تاريخه وقد فصّل فيه الحديث تفصيلاً. لأنّه لا يروق له إثبات النصّ لأمير المؤمنين بالوصيّة والخلافة الدينيّة ، والدلالة عليه والإشارة إليه. وهل هذه الغاية مقصد الطبري حينما حرَّف الكلم عن مواضعه في التفسير بعد ما جاء به صحيحاً في التاريخ على حين غفلة عنها؟ أنا لا أدري ، لكن الطبري يدري!. وأحسبك أيّها القارئ جدَّ عليم بذلك.
ومنها : خزاية فاضحة تحمّلها محمد حسين هيكل حيث أثبت الحديث كما أوعزنا إليه في الطبعة الأولى من كتابه حياة محمد (٣) (ص ١٠٤) بهذا اللفظ :
ونزل الوحي (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (٤) ، (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). ودعا محمد عشيرته إلى طعام في بيته ، وحاول أن يُحدِّثهم داعياً إيّاهم
__________________
(١) جامع البيان : مج ١١ / ج ١٩ / ١٢٢.
(٢) البداية والنهاية : ٣ / ٥٣.
(٣) حياة محمد : ص ١٥٨.
(٤) الحِجر : ٨٩. وفي الطبعات اللاحقة يثبت هيكل الآية (٢١٦) من سورة الشعراء مكان هذه الآية.