وسنوقفك على بيانها في شرح البيت الثالث إن شاء الله تعالى.
وبثاني الأبيات : أشار إلى حديث أصفقت الأمّة عليه من أنَّ عليّا عليهالسلام لبس بُرد النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الحضرميَّ الأخضر ، ونام على فراشه ليلة هرب النبيّ من المشركين إلى الغار ، وفداه بنفسه ، ونزلت فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (١).
قال أبو جعفر الاسكافي كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (٢) (٣ / ٢٧٠) : حديث الفراش قد ثبت بالتواتر ؛ فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة ، وقد روى المفسِّرون كلّهم أنَّ قول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي) الآية : نزلت في عليّ ليلة المبيت على الفراش.
وروى الثعلبي في تفسيره (٣) : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا أراد الهجرة إلى المدينة ، خلّف عليّ بن أبي طالب بمكّة لقضاء ديونه ، وأداء الودائع التي كانت عنده ، وأمر ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه ، وقال له : «اتَّشح ببردي الحضرميِّ الأخضر ونَمْ على فراشي ، فإنَّه لا يصل منهم إليك مكروهٌ إن شاء الله تعالى».
ففعل ذلك عليٌّ عليهالسلام ، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : إنّي آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليِّ بن أبي طالب؟! آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه. فنزلا ، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ،
__________________
(١) البقرة : ٢٠٧.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٦١ خطبة ٢٣٨.
(٣) الكشف والبيان : الورقة ٥٤ سورة البقرة : آية ٢٠٧.