بايعوا عليّا عليهالسلام على الموت ، ولم يزل قيس يُداري ذلك البعث حتى قُتل عليٌّ عليهالسلام واستخلف أهل العراق الحسن بن عليّ عليهماالسلام على الخلافة.
حديث دهائه :
يجد القارئ شواهد قويَّة على ذلك من مواقفه العظيمة في المغازي ، ونظراته العميقة في الحروب ، وآرائه المتَّبعة في مهمّات القضايا ، وأفكاره العالية في إمارته ، وإعظام الإمام أمير المؤمنين محلّه من الدهاء ، وإكباره رأيه في حكومته ، فإنَّه لَمّا قدم قيس من ولاية مصر على عليٍّ ، وأخبره الخبر الجاري بينه وبين رجال مصر ومعاوية ، علم أنَّه كان يقاسي أموراً عظاماً من المكايدة ، فعظم محلّ قيس عنده ، وأطاعه في الأمر كلّه. تاريخ الطبري (١) (٥ / ٢٣١).
فعندها تجد سيِّد الخزرج قيساً في الطبقة العليا من أصحاب الرأي ، ومن مقدِّمي رجالات النُّهى والحجا ، وتشاهد هناك آيات عقله المطبوع والمكتسب ، وتعدُّه أعظم دهاة العرب حين ثارت الفتن ، وسعرت نار الحرب ، إن لم نقل : أعظم دهاة العالم ، ونرى له التقدُّم في الفضيلة على الخمسة (٢) الذين عدّوه منهم ، وأولاهم بالعقليّة الناضجة ، وتجد دون محلّه الشامخ ما في الاستيعاب (٣) (٢ / ٥٣٨) وغيره (٤) من أنَّه أحد الفضلاء الجلّة من دهاة العرب ، من أهل الرأي والمكيدة في الحرب ، مع النجدة والسخاء والشجاعة.
__________________
(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٥٥٥ حوادث سنة ٣٦ ه.
(٢) هم : معاوية ، عمرو بن العاص ، قيس بن سعد ، المغيرة بن شعبة ، عبد الله بن بُديل. راجع تاريخ الطبري : ٦ / ٩٤ [٥ / ١٦٤ حوادث سنة ٤١ ه] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ١٤٣ [٢ / ٤٤٨ حوادث سنة ٤١ ه] ، أُسد الغابة : ٤ / ٢١٥ [٤ / ٤٢٥ رقم ٤٣٤٨]. (المؤلف)
(٣) الاستيعاب : القسم الثالث / ١٢٨٩ رقم ٢١٣٤.
(٤) أُسد الغابة : ٤ / ٢١٥ [٤ / ٤٢٥ رقم ٤٣٤٨] ، الإصابة : ٣ / ٢٤٩ [رقم ٧١٧٧] ، تهذيب التهذيب : ٨ / ٣٩٥ [٨ / ٣٥٤ رقم ٧٠٢] ، السيرة الحلبيّة : ٣ / ٩٣ [٣ / ٨٢]. (المؤلف)